فصل: باب ما جاء فيما افسد العبيد او جرحوا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب العيب في السلعة وضمانها

1467- قال مالك في الرجل يبتاع السلعة من الحيوان او الثياب او العروض فيوجد ذلك البيع غير جائز فيرد ويؤمر الذي قبض السلعة ان يرد إلى صاحبه سلعته قال مالك فليس لصاحب السلعة الا قيمتها يوم قبضت منه وليس يوم يرد ذلك إليه وذلك انه ضمنها من يوم قبضها فما كان فيها من نقصان بعد ذلك كان عليه فبذلك كان نماؤها وزيادتها له وان الرجل يقبض السلعة في زمان هي فيه نافقة مرغوب فيها ثم يردها في زمان هي فيه ساقطة لا يريدها احد فيقبض الرجل السلعة من الرجل فيبيعها بعشرة دنانير ويمسكها وثمنها ذلك ثم يردها وانما ثمنها دينار فليس له ان يذهب من مال الرجل بتسعة دنانير او يقبضها منه الرجل فيبيعها بدينار او يمسكها وانما ثمنها دينار ثم يردها وقيمتها يوم يردها عشرة دنانير فليس على الذي قبضها ان يغرم لصاحبها من ماله تسعة دنانير انما عليه قيمة ما قبض يوم قبضه قال ومما يبين ذلك ان السارق اذا سرق السلعة فانما ينظر إلى ثمنها يوم يسرقها فان كان يجب فيه القطع كان ذلك عليه وان استاخر قطعه اما في سجن يحبس فيه حتى ينظر في شانه واما ان يهرب السارق ثم يؤخذ بعد ذلك فليس استئخار قطعه بالذي يضع عنه حدا قد وجب عليه يوم سرق وان رخصت تلك السلعة بعد ذلك ولا بالذي يوجب عليه قطعا لم يكن وجب عليه يوم اخذها ان غلت تلك السلعة بعد ذلك قال ابو عمر بنى مالك - رحمه الله - هذا الباب على مذهبه فيمن ضمن شيئا انه يطيب له النماء والربح فيه والنقصان واما اشتراطه في اول هذا الباب الحيوان والعروض والثياب دون العقار فان مذهبه المشهور المعمول به عند اصحابه ان حوالة الاسواق بالنماء والنقصان في الاثمان فوت في البيع الفاسد كله اذا كان في شيء من العروض او الثياب او الحيوان وكان المشتري قد قبضه وتغير او حالت اسواقه فاذا كان ذلك لزمته فيه القيمة ولم يرده واما العقار فليس حوالة الاسواق فيه فوتا عندهم ولا يفوت العقار في البيع الفاسد الا بخروجه عن يد المشتري او ببنيان او هدم او غرس ولم يختلفوا في العروض كلها من الحيوان او الثياب او غيرها ان خروجها من يد المشتري فوت ايضا وان عليه قيمتها يوم قبضها الا ان تكون فاتت من يده ببيع ثم ردت إليه ورجعت إلى ملكه قبل ان تتغير وتحول اسواقها فان هذا موضع اختلف فيه قول مالك فقال مرة على أي وجه رجعت إليه ولم تتغير سوقها فانه يردها وقال مرة لا يردها اذ قد لزمته القيمة يعني بفوتها بالبيع ولو كانت السلعة عبدا او امة اشتراها شراء فاسدا ثم اعتقها او دبر او كاتب او تصدق او وهب كان ذلك كله فوتا اذا كان مليا بالثمن وتلزمه القيمة يوم فوت ذلك الا ان تكون السلعة مما يكال او يوزن فانه يرد مثل ما قبض في صفته وكيله ووزنه هذا كله تحصيل مذهب مالك واصحابه ولم يتابع مالكا في قوله على ان حوالة الاسواق بالزيادة في الثمن او النقصان فوت في البيع الفاسد احد من ائمة الفتوى بالامصار فيما علمت الا اصحابه واما الشافعي فتصرف المشتري في المبيع بيعا فاسدا باطلا لا ينفذ ولا يصح فيه هبته ولا تدبيره ولا عتقه ولا بيعه ولا شيء من تصرفه وهو مفسوخ ابدا عنده ويرده بحاله وهو على ملك البائع والمصيبة منه وعتق المشتري له باطل فاذا فات عند المشتري بذهاب عينه وفقده واستهلاكه لزمه فيه القيمة في حين فوته وذهاب عينه لا تعتبر سوقه والبيع فاسد عنده حكمه كالمغصوب سواء وهو قول احمد واسحاق وابي ثور وداود قال ابو حنيفة واصحابه في الرجل يشتري الجارية شراء فاسدا ويقبضها ثم يبيعها او يهبها او يمهرها فتصير عند المشتري لها منه او عند الموهوب له او عند المراة الممهورة فعليه ضمان القيمة وفعله كله في ذلك جائز وكذلك لو كاتبها او وهبها الا ان الجارية الموهوبة لو افتكها قبل ان يضمنه القاضي قيمتها ردها على البائع وكذلك المكاتبة ان عجزت عن اداء الكتابة قالوا ولو ردها المشتري بعيب بعد القبض بغير قضاء فعليه ضمان القيمة ولا يردها على البائع والله الموفق للصواب‏.‏

باب جامع القضاء وكراهيته

1468- مالك عن يحيى بن سعيد ان ابا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي ان هلم إلى الارض المقدسة فكتب إليه سلمان ان الارض لا تقدس احدا وانما يقدس الانسان عمله وقد بلغني انك جعلت طبيبا تداوي فان كنت تبرئ فنعما لك وان كنت متطببا فاحذر ان تقتل انسانا فتدخل النار فكان ابو الدرداء اذا قضى بين اثنين ثم ادبرا عنه نظر اليهما وقال ارجعا الي اعيدا علي قصتكما متطبب والله قال ابو عمر اما كراهة القضاء بين الناس فقد كرهه وفر منه جماعة من فضلاء العلماء وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين‏)‏ حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني نصر بن علي قال حدثني بشر بن عمر عن عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الاخنسي عن المقبري والاعرج عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين‏)‏ وقال حدثني نصر بن علي قال حدثني فضيل بن سليمان قال حدثني عمرو بن ابي عمرو عن سعيد بن ابي سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين‏)‏ وقال حدثناه محمد بن حسان السمتي حدثني خلف بن خليفة عن ابي هشام عن بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فاما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار قال ابو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏اذا اجتهد الحاكم فاصاب فله اجران واذا اجتهد فاخطا فله أجر‏)‏ رواه عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا طرقه في كتاب العلم وذكرنا هناك ما للعلماء في تاويله وروي من حديث انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه انزل الله إليه ملكا يسدده ‏(‏2‏)‏ وقد ذكرنا اسناده في صدر هذا الكتاب ومعلوم ان الاثم اذا كان معظما في معنى كان الاجر معظما في ضده قال الله عز وجل ‏(‏واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا‏)‏ ‏[‏الجن 15‏]‏‏.‏

أي الجائرون والجور الميل عن الحق إلى الباطل وعن الايمان إلى الكفر قال الله عز وجل ‏(‏يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب‏)‏ ‏[‏ص 26‏]‏‏.‏

ومن جار عن الحق واسرف في الظلم فقد نسي يوم الحساب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في القاضي العادل الحاكم بالقسط من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره انه قال ‏(‏المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين‏)‏ قيل ومن القاسطون يا رسول الله ‏!‏ قال ‏(‏الذين يعدلون في اهليهم وفيما ولوا‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏(‏سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله امام عادل‏)‏ وذكر سائر السبعة وسياتي هذا الحديث في موضعه من كتاب الجامع ان شاء الله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏الامام العادل لا ترد دعوته‏)‏ اخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا محمد بن قدامة قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن إسماعيل بن ابي خالد عن مصعب بن سعد قال قال علي - رضي الله عنه - حق على الامام ان يحكم بما انزل الله ويؤدي الامانة فاذا فعل ذلك فحق على الناس ان يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوا اذا دعوا قال ومن ولي القضاء فليعدل في المجلس والكلام واللحظ وذكر ابو زيد - عمر بن شبة - قال حدثنا هارون بن عمر قال حدثنا ضمرة قال حدثنا ابراهيم بن عبد الله الكناني قال قال علي - رضي الله عنه - لا ينبغي للقاضي ان يكون قاضيا حتى تجتمع فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله مستشر لذوي الالباب لا يخاف في الله لومة لائم وروى الشعبي عن مسروق قال لان اقضي يوما واحدا بحق وعدل احب الي من ان اغزو سنة في سبيل الله‏.‏

وقال مالك قال عمر بن عبد العزيز لا ينبغي لاحد ان يقضي الا ان يكون عالما بما مضى من السنة مستشيرا لذوي العلم والاثار في هذا الباب عن السلف كثيرة في معنى ما اوردناه وفيما ذكرنا تنبيه على ما إليه قصدنا ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه اذا عمل به وكان ابو الدرداء من الفقهاء العلماء الحكماء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال فيه ‏(‏حكيم امتي‏)‏ وقال فيه معاذ بن جبل كان ابو الدرداء من الذين اوتوا العلم وقال ابو ذر ما حملت غبراء ولا اظلت زرقاء اعلم منك يا ابا الدرداء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اخى بينه وبين سلمان الفارسي فكانا متواخين متحابين اجتمعا او تفرقا وكان سلمان عالما فاضلا زاهدا في الدنيا ومات ابو الدرداء بدمشق قاضيا عليها لعثمان بعد عمر قبل موت عثمان بسنتين او نحوهما ومات سلمان بالمدائن من ارض العراق‏.‏

وحدثنا ابو القاسم - خلف بن قاسم - قراءة مني عليه قال حدثني ابو الميمون - عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال حدثني ابو زرعة - عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي قال حدثني ابو مسهر - عبد الاعلى بن مسهر قال حدثني سعيد بن عبد العزيز قال عمر امر ابو الدرداء بالقضاء يعني بدمشق وكان القاضي يكون خليفة الامير اذا غاب وقد ذكرنا اخبار أبي الدرداء وسلمان وفضائلهما في باب كل واحد منهما من كتاب الصحابة والحمد لله قال مالك من استعان عبدا بغير اذن سيده في شيء له بال ولمثله اجارة فهو ضامن لما اصاب العبد ان اصيب العبد بشيء وان سلم العبد فطلب سيده اجارته لما عمل فذلك لسيده وهو الامر عندنا قال ابو عمر الامر المجتمع عليه عندنا في ذلك ان الاموال تضمن بالعمد والخطا والعبد مال لم ياذن له صاحبه للذي استعانه فكان بذلك متعديا على مال غيره جانيا عليه بغير اذن سيده فيلزمه الضمان ان عطب او تلف فيما استعمله فيه وان سلم كان له اجره في الذي عمله لان العبد ليس له ان يهب خراجه ولا شيئا من كسبه لانه لسيده وهذا كله اتفق فيه مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم وروى ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم قال من استعان مملوكا بغير اذن سيده او صبيا بغير اذن اهله ضمن ومعمر عن حماد مثله وبن جريج عن عطاء مثله وروى الحكم والشعبي كلاهما عن علي - رضي الله عنه - قال من استعان عبدا صغيرا او كبيرا او صبيا حرا فهلك ضمن ومن استعان حرا كبيرا لم يضمن وعن الحسن مثله في الصبي الحر وفي العبد قال فان اذن له اهل الصبي او سيد العبد فلا ضمان عليه قال مالك في العبد يكون بعضه حرا وبعضه مسترقا انه يوقف ماله بيده وليس له ان يحدث فيه شيئا ولكنه ياكل فيه ويكتسي بالمعروف فاذا هلك فماله للذي بقي له فيه الرق قال ابو عمر يكون العبد نصفه حرا ونصفه مملوكا من وجوه منها ان يكون بين شريكين وارثين او مبتاعين او بوجه يصح ملكهما له احدهما معسرا والاخر موسرا فيعتق المعسر حصته منه فاذا كان كذلك كان على وجه الحجازيين ما اعتق منه المعسر حرا وسائره عبدا ويكون عند ابي حنيفة عبدا اعتق سيده نصفه او يكون عبدا اوصى بعتق نصفه عند من لا يرى ان يتم عليه العتق في ثلثه ووجوه غير هذه واما قوله انه يوقف ماله بيده فانه يريد نصف ما كان بيده من المال قبل وقوع عتقه وما يكسبه في الايام التي يعمل فيها لنفسه قال مالك يصطلح هو ومالك نصفه على الايام وقال غيره يخدم لنفسه ويكسب لها يوما ويكون لسيده خدمته يوما مما كسب في يوم الحرية فله وعليه في ذلك اليوم مؤنته كلها وفي يوم خدمته لسيده مؤنته على سيده فهذه حاله عند جمهور العلماء فاذا مات فقد اختلفوا في ميراثه فقال بعض اهل العلم كما قال مالك ميراثه لمن فيه الرق لانه في شهادته وحدوده وطلاقه عندهم كالعبد هذا قول مالك والزهري واحد قولي الشافعي وقال اخرون ميراثه بين سيد نصفه وبين من كان يرثه لو كان حرا كله نصفين روي هذا عن عطاء وعمرو بن دينار وطاوس واياس بن معاوية وهو احد قولي الشافعي وبه قال احمد بن حنبل غلبوا الحرية هنا لانقطاع الرق بالموت وقالت طائفة منهم الشافعي يورث المعتق نصفه ويرث وقد روي عنه انه لا يرث ولا يورث وهو قول مالك والكوفيين وقال بعض التابعين ان مات المعتق بعضه ورثه كله الذي اعتق بعضه وروي عن الشعبي في حرة رواية شاذة انه يحد خمسة وسبعين سوطا قال مالك الامر عندنا ان الوالد يحاسب ولده بما انفق عليه من يوم يكون للولد مال ناضا كان او عرضا ان اراد الوالد ذلك قال ابو عمر لا خلاف بين العلماء ان الولد الغني ذا المال لا يجب له على ابيه نفقة ولا كسوة ولا مؤنة وان ذلك في ماله واختلفوا عليه وهو موسر هل له ان يرجع عليه بما انفق في ماله ويحاسبه بذلك فقال مالك ذلك له‏.‏

وقال الشافعي اذا انفق عليه وهو قادر على الوصول إليه فهو متطوع متبرع ولا يحاسبه بشيء من ذلك وقياس قول ابي حنيفة ان انفق عليه بامر القاضي ليتصرف في ماله كان لك له والا فهو متطوع متبرع واذا فرض له القاضي في مال الصبي نفقة لم يضره ان ينفق ويتصرف بما انفق عليه هذا عندي قياس قوله وبالله التوفيق‏.‏

1469- مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني عن ابيه ان رجلا من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل فيغلي بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فافلس فرفع امره إلى عمر بن الخطاب فقال اما بعد ايها الناس فان الاسيفع اسيفع جهينة رضي من دينه وامانته بان يقال سبق الحاج الا وانه قد دان معرضا فاصبح قدرين به فمن كان له عليه دين فلياتنا بالغداة نقسم ماله بينهم واياكم والدين فان اوله هم واخره حرب قال ابو عمر ويروى قد دان وقد ادان ويروى بلا قد واكثر الرواة يروونه قد دان معرضا كما رواه يحيى بن القاسم وبن بكير وغيرهم قال ابو عمر اما قوله في هذا الخبر فافلس فانه اراد صار مفلسا وطلب الغرماء ماله فحال بينه وبين ماله ثم دعا غرماءه ليقسموها عليهم وهذا شأن من احاط دين غرمائه بماله وقاموا عليه عند الحاكم يطلبونه واثبتوا ديونهم عليه بما لا مدفع فيه واختلف الفقهاء في وجوه من هذا المعنى فقال مالك اذا حبسه الحاكم في الدين لم يجز بعد ذلك اقراره لان حبسه له تفليس وانما قيل من شاء من غرمائه ما لم يكن من الحاكم فيه ما وصفنا التفليس فانه جائز اقراره وان كان عليه دين قال واذا قام غرماؤه عليه على وجه التفليس فهو حجر ايضا وقال الثوري والحسن بن حي اذا حبسه القاضي في الدين لم يكن محجورا عليه حتى يفلسه فيقول لا اجير له امرا وقال الاوزاعي اذا كان عليه دين لم يجز عليه صدقته وهو قول الليث قال ابو عمر قولهما هذا قد قال بنحوه بعض اصحاب مالك ورووه عن مالك فيمن احاط الدين بماله انه لا يجوز له هبة ولا صدقة ولا عتق وان لم يقف السلطان ماله ولم يضرب على يده ولم يمنعه التصرف في ماله من اجل قيام غرمائه عليه واما قول سائر الفقهاء ففعل من عليه دين جائز في هبته وصدقته وقضاء من شاء من غرمائه ما لم يكن من الحاكم فيه ما وصفنا واتفق مالك واصحابه كلهم حاشا بن القاسم ان السفيه الذي لم يحجر عليه اب ولا وصي ولا قاض ان افعاله كلها نافذة حتى يضرب الحاكم على يديه وذكر المزني عن الشافعي قال اذا رفع الذي يستحق التفليس إلى القاضي اشهد القاضي انه قد اوقف ماله فاذا فعل لم يجز بيعه ولا هبته وما فعل من ذلك ففيه قولان احدهما انه موقوف فان فعل جاز والاخرى انه باطل وقال بن أبي ليلى اذا افلسه الحاكم لم يجز بيعه ولا هبته ولا صدقته ويبيع القاضي ماله ويقضيه الغرماء وقال محمد في ‏(‏نوادر بن سماعة‏)‏ قال اهل المدينة اذا كان عليه دين لم يجز اقراره لاحد ان يقضي ما عليه ولا عتقه ولا شيء يتلف به ماله حتى يقضي ما عليه قال محمد وقال القاسم بن معن اذا اقر بدين فحبس له فحبسه حجر عليه ولا يجوز اقراره حتى يقضي الدين الاول وقال شريك مثل قوله وقال محمد بن الحسن يجوز اقراره وبيعه وجميع ما صنع في ماله حتى يحجر القاضي عليه ويبطل اقراره بعد حبسه بالدين وكان ابو حنيفة لا يرى الحجر بالدين ومذهبه ان الحر لا يحجر عليه لدين ولا لسفه وخالفه في ذلك اصحابه وقال في البيع في الدين لا يباع على المدين شيء من ماله ويحبس حتى يبيع هو الا الدنانير والدراهم فانها تباع عليه بعضها ببعض وقال ابو يوسف ومحمد والشافعي ومالك والليث وسائر الفقهاء يباع عليه كل شيء من ماله ويقضي غرماؤه فان قام ماله بديونهم والا قسم بينهم على الحصص بقدر دين كل واحد منهم واما قوله في حديث عمر ‏(‏الاسيفع‏)‏ فهو تصغير اسفع والاسفع الاسمر الشديد السمرة وقيل الاسفع الذي تعلو وجهه حمزة تنحو إلى السواد وقوله ‏(‏ادان معرضا‏)‏ أي استدان متهاونا بذلك فاصبح قدرين به أي احيط به يريد احاط به غرماؤه واحاط الدين به وذلك من معنى قول الله تعالى ‏(‏كلا بل ران على قلوبهم‏)‏ ‏[‏المطففين 14‏]‏‏.‏

الاية أي غلب الدين على قلوبهم فاسود جميعها فلم تعرف معروفا ولا انكرت منكرا واما قوله في الدين اخره حرب والحرب بتحريك الراء السلب ومنه قول العرب رجل حريب أي سليب مسلوب قال الشاعر وهو القاسم بن امية بن ابي الصلت الثقفي‏:‏

قوم اذا نزل الحريب بدارهم *** ردوه رد صواهل ونياق

باب ما جاء فيما افسد العبيد او جرحوا

1470- قال مالك السنة عندنا في جناية العبيد ان كل ما اصاب العبد من جرح جرح به انسانا او شيء اختلسه او حريسة احترسها او ثمر معلق جذه او افسده او سرقة سرقها لا قطع عليه فيها ان ذلك في رقبة العبد لا يعدو ذلك الرقبة قل ذلك او كثر فان شاء سيده ان يعطي قيمة ما اخذ غلامه او افسد او عقل ما جرح اعطاه وامسك غلامه وان شاء ان يسلمه اسلمه وليس عليه شيء غير ذلك فسيده في ذلك بالخيار قال ابو عمر اختلاف الفقهاء في هذا الباب متقارب المعنى كلهم يرى جناية العبد في رقبته ويخير سيده في فدائه بجنايته او اسلامه في ذمته روي ذلك عن علي بن ابي طالب - رضي الله عنه وقال به جماعة علماء التابعين وائمة الفتوى بامصار المسلمين وحسبك بقول مالك السنة عندنا يعني ما وصفنا ولم يختلف مالك واصحابه فيما يستهلكه العبد مما لم يؤمن عليه انه في رقبته وهو قول جمهور الفقهاء وذكر بن حبيب عن اصبغ ان ما استهلكه العبد مما اؤتمن عليه ان عليه ان يكون في ذمته وقال بن الماجشون هو في رقبته وروى سحنون عن بن القاسم في العبد يستاجره الرجل ليبلغ بعيرا له إلى موضع فيذبحه ويزعم انه خاف عليه الموت فقال قال مالك ومن يعلم ذلك اراه في رقبة العبد وكذلك قال بن القاسم واشهب في العبد يتوسل على لسان سيده وينكر سيده ذلك ان ذلك في رقبته قال ابو عمر ان قتل العبد عبدا او حرا فاستحياه ولي الدم كان سيده بالخيار بين ان يفتكه بجميع دية الحر او قيمة العبد او يسلمه إلى ولي الدم ويسترقه ويضرب مائة ويسجن عاما هذا كله قول مالك واصحابه وجمهور اهل العلم‏.‏

وقال الشافعي سيد العبد المقتول بالخيار في العبد الذي قتل عبده اما ان يقتل واما ان تكون قيمة العبد المقتول في عنق القاتل فان عفا عن القصاص بيع العبد القاتل فان كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل وان كان فيه نقصان فليس عليه غير ذلك واما ابو حنيفة واصحابه فذكر الطحاوي عنهم قال واذا قتل العبد رجلا خطا قيل لمولاه ادفعه إلى ولي الجناية او افده منه بالدية فان اختار فداءه بالدية كان ماخوذا بها حالة لولي المقتول وان ثبت بعد ذلك اعساره بها فان ابا حنيفة كان يقول قد زالت الجناية عن عتق العبد باختيار مولاه اياه وصارت دينا على مولاه في رقبة العبد الجاني وقال ابو يوسف اذا لم يكن للمولى من المال مما هو واصل إليه في وقت اختياره اياه مقدار الدية كان اختيار اياه باطلا وكان حق الجناية حق ولي الجناية في رقبة العبد اذا كان قبل الاختيار فقال له ادفع العبد إلى ولي الجناية او افده منه بالدية وقال محمد بن الحسن الاختيار جائز معسرا كان المولى او موسرا وتكون الدية في عنق العبد دينا لولي الجناية يتبعه فيها مولاه لولي الجناية قالوا ولو جنى العبد على رجل فقتله خطا او استهلك الاخر مالا وحضرا جميعا يطلبان الواجب لهما فانه يدفع إلى ولي الجناية ثم يتبعه الاخر فيما استهلك من غير ماله ولو حضر صاحب المال اولا ولم يحضر صاحب الجناية باعه له القاضي في ماله الذي استهلكه له فان حضر بعد ذلك ولي الجناية لم يكن له شيء هذا اخر كتاب الاقضية عند جماعة رواة ‏(‏الموطا‏)‏ الا يحيى بن يحيى‏.‏

باب ما يجوز من النحل

قال ابو عمر ليس هذا الباب عند غير يحيى في ‏(‏الموطا‏)‏ ولا له في هذا الموضع حديث عند جميع رواة ‏(‏الموطا‏)‏ في باب ما يجوز من العطية واخر كتاب الاقضية عندهم باب ما افسده العبيد او جرحوا ووقع ليحيى كما ترى واظنه سقط له من موضعه فالحق في اخر الكتاب كما صنع في باب الصلاة قبل طلوع الشمس وغروبها سقط له من ابواب المواقيت في اول كتاب الصلاة فالحقه في اخر كتاب الصلاة‏.‏

1471- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ان عثمان بن عفان قال من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ ان يجوز نحله فاعلن ذلك له واشهد عليها فهي جائزة وان وليها ابوه قال ابو عمر روى بن عيينة هذا الخبر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال شكي إلى عثمان بن عفان قول عمر لا نحلة الا نحلة يحوزها الولد دون الوالد فراى عثمان ان الوالد يجوز لولده ما كانوا صغارا يقول اذا وهب له الاب واشهد له عليه انها حيازة وبن عيينة عن ايوب السختياني عن بن سيرين قال سالت شريحا ما يبين للصبي من نحل ابيه قال ان يهب له ويشهد له عليه قلت انه يليه قال هو احق من وليه قال ابو عمر على قضاء عثمان في هبة الاب لابنه الصغير جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق الا ان اصحابنا يخالفون سائر الفقهاء في المسكون والملبوس والموقوف فلا يرون اشهاد الاب في ذلك حيازة حتى يخرج منها مدة اقلها سنة من المسكون ليظهر فعله ذلك واذا ركب ما يركب او لبس ما يلبس فقد رجع في هبته وقد مضى ما للعلماء في رجوع الاب وغيره في الهبة والحمد لله كثيرا قال مالك الامر عندنا ان من نحل ابنا له صغيرا ذهبا او ورقا ثم هلك وهو يليه انه لا شيء للابن من ذلك الا ان يكون الاب عزلها بعينها او دفعها إلى رجل وضعها لابنه عند ذلك الرجل فان فعل ذلك فهو جائز للابن إلى هنا انتهت رواية يحيى وفي رواية ابي مصعب وغيره قال مالك وان كانت النحلة عبدا او وليدة او شيئا معلوما معروفا ثم اشهد عليه واعلن ثم مات الاب وهو يلي ابنه فان ذلك جائز لابنه قال ابو عمر لا اعلم خلافا بين الفقهاء - اهل الفتوى بالامصار وسائر من تقدمهم من العلماء ان الاب يجوز لابنه الصغير ما كان في حجره صغيرا او كبيرا بالغا كل ما يهب له ويعطيه ويتصدق به عليه من العروض كلها والعقار وكل ما عدا العين كما يجوز له ما يعطيه غيره وانه يجزئه في ذلك الاشهاد والاعلان واذا اشهد فقد اعلن اذا فشا الاشهاد وظهر‏.‏

وقال مالك واصحابه ان ما يسكن الاب لا تصح فيه عطية لابنه الصغير الذي في حجره حتى يخرج عن ذلك سنة ونحوها ثم لا يضره رجوعه اليها وسكناه لها ما لم يمت الاب فيها او يبلغ الصغير رشده فلا يقبضها فان مات الاب ساكنا فيها او بلغ الابن رشدا فلم يقبضها حتى يموت الاب لم تنفعه حيازته له تلك السنة وجعلوا الهبة للصغير جوازها متعلق بما يكون من العافية فيها فان سلمت في العافية من الرهن فهي صحيحة وان لحقها رهن جميع ما تقدم قبل ذلك وكذلك الملبوس عندهم اذا لبس الاب شيئا من الثياب التي وهبها للصغير من ولده بطلت فيه هبته وما عدا الملبوس والمسكون فيكفي فيه الاشهاد على ما وصفنا واما سائر الفقهاء فان الاب اذا اشهد واعلن الشهادة بما يعطيه لابنه في صحته فقد نفذ ذلك للابن ما كان صغيرا وحيازة الاب له من نفسه كحيازته له ما يعطيه غيره لابنه الناظر له ولا يرهن عطيته له في صحته اذا كان صغيرا ولا سكناه ولا لباسه كما لا يضره عند مالك اذا سكن بعد السنة ولا يعد ذلك منه رجوعا فيما اعطى كما لا يكون ذلك رجوعا بعد السنة وما قاله العلماء من ذلك فهو ظاهر فعل عثمان بمحضر الصحابة من غير نكير وبالله التوفيق واما الذهب والورق فقال مالك في موطئه ما قد ذكرناه في صدر هذا الباب وظاهره انه اذا عزلها بعينها في ظرف وختم عليها بخاتمه او خاتم الشهود الذين اشهدهم انها جائزة للابن كما لو جعلها له عند رجل وهو قول بن الماجشون واشهب وبه كان ابو عمر - احمد بن عبد الله بن هاشم - شيخنا - رحمه الله يفتي وذكر العتبي لابن القاسم عن مالك انها لا تجوز الا ان يخرجها الاب عن يده إلى يد غيره - يحوزها للابن وانه لا ينفعه خاتمه عليها وبهذا كان يقضي القاضي ابو بكر محمد بن يبقى بن زرب وهذه المسالة كانت احد الاسباب التي اوجبت التباعد بينه وبين ابي عمر رحمهما الله واختلفوا في هبة المشاع من الغنم وغيرها يهبها الاب لابنه الصغير في حجره فروي عن مالك انه جائز وبه قال بن الماجشون وقال بن القاسم لا يحوز الاب لابنه الصغير الا ما يهبه مبروزا مقسوما قال واليه رجع مالك وبه قال مطرف واصبغ قال ابو عمر ظاهر حديث عثمان يشهد لما قاله مالك وبن الماجشون وهو الاصل المجتمع عليه عند جمهور العلماء ولا مخالف له من الصحابة واختلفوا فيمن يجوز للصغير غير ابيه ومن يقوم له في الحيازة مقام ابيه فيما يعطيه فروى يحيى عن بن القاسم عن مالك ان الام لا تحوز ما يعطى ابنها الا ان تكون عليه وصية قال ولا يحوز للطفل الا من يجوز له انكاحه والمباراة عليه والبيع والشراء له قال يحيى وسمعت بن وهب يقول تحوز الام لولدها ما تهب لهم وكذلك الجدة والاجداد وان لم يكونوا اولياء عليه وقال بن القاسم لا تحوز الام ما يوهب لولدها وقال اشهب تحوز لهم الوصية بهبة يمضي معهم إلى الكتاب ولا يحوز لهم غير ذلك والوصي عندهم يحوز ما يوهب لليتيم في حجره واما الشافعي فالجد عنده يقوم مقام الاب فيما يهبه للاطفال من ولد ولده يحوز ذلك عليهم إلى ان يبلغوا مبلغ القبض لانفسهم واما الكوفيون فذكر الطحاوي وغيره عن ابي حنيفة واصحابه ان الام كالاب فيما تهب لابنها اليتيم في حجرها عبدا او متاعا معلوما اذا اشهدت على ذلك جاز ولم ترجع في شيء منه وكذلك تقبض له من كل من وهب له شيئا يصح قبضه وكذلك الوصي وكذلك من قبض لليتيم من الاجنبيين ما اعطى اليتيم وذكر الطحاوي ايضا عنهم قال وللاب ان يقبض ما يهب لابنه الصغير مما يتصدق به عليهم وكذلك من فوقه من الاباء اذا كان هو الذي امره وقبضه من ذلك لنفسه اشهاده على ما كان منه واعلانه به وبالله التوفيق وصلى الله على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى اهله الطيبين وسلم تسليما‏.‏

كتاب العتق والولاء

باب من اعتق شركا له في مملوك

1472- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ من اعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فاعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد والا فقد عتق منه ما عتق‏)‏ قال ابو عمر قد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ اختلاف الفاظ رواة ‏(‏الموطا‏)‏ في هذا الحديث واختلاف الفاظ اصحاب نافع عليه واصحاب سالم عليه وقد جود مالك - رحمه الله - حديثه هذا عن نافع واتقنه وبان فيه فضل حفظه وفهمه وتابعه على كثير من معانية عبيد الله بن عمر ومن احسن رواه سياقه يحيى بن يحيى الليثي صاحبنا وبن القاسم وبن وهب فانهم ذكروا فيه عن مالك ‏(‏فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه‏)‏ ومن لم يقل في هذا الحديث من رواة مالك ‏(‏فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه‏)‏ فقد كثر ولم يقم الحديث لانه لا خلاف بين العلماء انه لا يقوم نصيب الشريك الذي لم يعتق على الذي اعتق الا ان يكون له من المال ما يبلغ ثمن حصة شريكه الذي لم يعتق وكذلك جود مالك هذا الحديث واتقنه في قوله فيه ‏(‏وان لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق‏)‏ وتابعه على هذا اللفظ عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اعتق شركا له في مملوك فقد عتق فان كان له مال يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل واعتق كله وان لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق‏)‏ وهذا كرواية مالك سواء ورواه ايوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمنه فهو عتيق‏)‏ قال ايوب قال نافع والا فقد عتق منه ما عتق قال ايوب لا ادري اهذا في الحديث ام هو من قول نافع قوله ‏(‏فقد عتق منه ما عتق‏)‏ ورواه يحيى بن سعيد الانصاري عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اعتق نصيبا له في عبد كلف عتق ما بقي منه ان كان له مال فان لم يكن له مال فقد جاز ما صنع‏)‏ وقد ذكرنا الاسانيد عن عبيد الله وعن ايوب وعن يحيى بما وصفنا من طرق في ‏(‏التمهيد‏)‏ وهذا اللفظ اعني قوله ‏(‏وان لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق‏)‏ يعني الاستسعاء ويوجب العتق على المعسر وانما ملك شريكه على ما كان عليه دون ايجاب استسعاء على العبد وهذا الموضع اختلفت فيه الاثار واختلف في الحكم به علماء الامصار فاما اختلاف الاثار في ذلك فان ابا هريرة روى في ذلك خلاف ما روى بن عمر من حديث قتادة عن النضر بن انس عن بشير بن نهيك عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏ايما عبد كان بين رجلين فاعتق احدهما نصيبه فان كان موسرا قوم عليه والا سعى العبد غير مشقوق عليه‏)‏ هكذا رواه سعيد بن ابي عروبة عن قتادة لم يختلف على سعيد في شيء منه وممن رواه عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن النضر عن بشير بن نهيك عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك روح بن عبادة ويزيد بن زريع وعبدة بن سليمان وعلي بن مسهر ومحمد بن بكر ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن ابي عدي وقد تابع سعيد بن ابي عروبة على ذلك ابان العطار وجرير بن حازم وموسى بن خلف رووه عن قتادة باسناد مثله وذكروا فيه السعاية واما هشام الدستوائي وشعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى فرووه عن قتادة باسناده المذكور لم يذكروا فيه السعاية وهم اثبت من الذين ذكروا فيه السعاية واصحاب قتادة الذين هم الحجة على غيرهم عند اهل العلم ثلاثة شعبة وهشام وسعيد بن ابي عروبة فاذا اتفق منهم اثنان فهما حجة على الواحد عندهم وقد اتفق شعبة وهشام الدستوائي على ترك ذكر السعاية في هذا الحديث فضعف بذلك ذكر السعاية والله اعلم وقد ذكرنا حديث ابي هريرة من طرق هؤلاء كلهم في ‏(‏التمهيد‏)‏ وزدنا القول بيانا في ذلك من جهة الاسناد والنقل هنالك واما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فان مالكا واصحابه يقولون اذا اعتق المليء الموسر نصيبا له في عبد بينه وبين غيره فلشريكه ان يعتق بتلا وله ان يقوم اذا أعتق نصيبه كما اعتق شريكه قبل التقويم كان الولاء بينهما كما كان الملك بينهما ما لم يقوم ويحكم بعتقه فهو كالعبد في جميع احكامه وان كان المعتق لنصيبه من العبد عديما لا مال له لم يعتق من العبد غير حصته وبقي نصيب الاخر رقا له يخدمه العبد يوما ويكتسب لنفسه يوما وهو في حدوده وجميع احواله كالعبد وان كان المعتق موسرا ببعض نصيب شريكه قوم عليه بقدر ما يوجد معه من المال ورق بقية النصيب لديه ويقضى بذلك عليه كما يقضى في سائر الديون اللازمة والجنايات الواجبة ويباع عليه شوار بيته وماله بال من كسوته والتقويم ان يقوم نصيبه يوم العتق قيمة عدل ثم يعتق عليه وكذلك قال داود واصحابه فانه لا يعتق عليه حتى يؤدي القيمة إلى شريكه وهو قول الشافعي في ‏(‏القديم‏)‏ وقال في ‏(‏الجديد‏)‏ اذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا في حين العتق عتق جميعه حينئذ وكان حرا من يومئذ يرث ويورث وله ولاؤه ولا سبيل للشريك على العبد وانما له قيمة نصيبه على شريكه كما لو قتله وسواء اعطاه القيمة او منعه اذا كان موسرا يوم العتق وان كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه او يخدمه يوما ويخلي لنفسه يوما ولا سعاية عليه وقد قال الشافعي ان مات العبد وله وارث ورث بقدر ولايته وان مات له موروث لم يرث منه شيئا وله قول اخر فيمن كان بعضه حرا ذكره المزني عنه في ‏(‏القديم‏)‏ واختار قوله في ‏(‏ الجديد‏)‏ وقال هو الصحيح على اصله لانه قال لو اعتق الثاني كان عتقه باطلا وقد قطع بان هذا اصح في اربعه مواضع من كتبه وقاله في اختلاف الحديث واختلاف بن ابي ليلى وابي حنيفة وقال في كتاب الوصايا بالقول الاول واصل ما بنى عليه مذهبه في ذلك حديث بن عمر ولم يقل بحديث ابي هريرة وضعف قول من ذكر فيه السعاية‏.‏

وقال مالك ان مات المعتق المعسر قبل ان يحكم عليه بعتق الباقي لم يحكم على ورثته بعتق النصف الباقي‏.‏

وقال الشافعي يحكم بعتقه اذا مات ولو اتى ذلك على جميع تركته الا ان يقع العتق منه في المرض فيقوم في الثلث وقال سفيان اذا كان للمعتق حصته من العبد مال ضمن نصيب شريكه ولم يرجع به على العبد ولا سعاية على العبد وكان الولاء له وان لم يكن له مال فلا ضمان عليه وسواء نقص من نصيب الاخر او لم ينقص ويسعى العبد في نصف قيمته حينئذ وكذلك قال ابو يوسف ومحمد بن الحسن وفي قولهم يكون العبد كله حرا ساعة اعتق الشريك نصيبه فان كان موسرا ضمن لشريكه نصف قيمة عبده وان كان معسرا سعى العبد في ذلك للذي لم يعتق ولا يرجع على احد بشيء والولاء كله للمعتق وهو بمنزلة الحر في جميع احكامه ما دام في سعايته من يوم اعتق يرث ويورث وهو قول الاوزاعي وعن بن شبرمة وبن ابي ليلى مثله الا انهما جعلا للعبد ان يرجع على المعتق بما سعى فيه متى ايسر ورووا عن بن عباس انه جعل المعتق بعضه حرا في جميع امواله وقال ابو حنيفة اذا كان العبد بين اثنين فاعتق احدهما نصيبه وهو موسر فان الشريك بالخيار ان شاء اعتقه كما اعتق صاحبه وكان الولاء بينهما وان شاء استسعى العبد في نصف قيمته ويكون الولاء بينهما وان شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد يستسعى فيه ان شاء ويكون الولاء كله للشريك وان كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار ان شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها والولاء بينهما وان شاء اعتقه كما اعتق صاحبه والولاء بينهما وقال ابو حنيفة العبد المستسعى ما دام في سعايته بمنزلة المكاب في جميع احكامه وقال زفر يعتق العبد كله على المعتق حصته منه ويتبع بقيمة حصة شريكه موسرا كان او معسرا قال ابو عمر لم يقل زفر بحديث بن عمر ولا بحديث ابي هريرة في هذا الباب وكذلك ابو حنيفة لم يقل بواحد من الحديثين على وجهه وكل قول خالف السنة مردود وقال احمد بن حنبل بحديث بن عمر في هذا الباب وقوله فيه نحو قول الشافعي قال ان كان للمعتق من الشريكين مال ضمن وان لم يكن له مال عتق منه ما عتق وكان الاخر على نصيبه ولا يستسعي العبد قال ابو عمر هذا يدل على ان حديث بن عمر عند احمد اصح من حديث ابي هريرة وانه لم يصح عنده ذكر السعاية واحمد امام اهل الحديث في المعرفة بصحيحه من سقيمه قال احمد ولا يباع على الشريك المعسر دار ولا رباع ولم يحد في العسر واليسار حدا وقال إسحاق ان كان للشريك المعتق مال فكما قال احمد يضمن وان لم يكن له الا دار وخادم فانه لا يجعل ذلك مالا قال وان كان معسرا فانه يستسعي العبد لصاحبه واتفق احمد واسحاق وسفيان بان العتق اذا وقع والمعتق موسر ثم افلس لم يتحول عليه الغرم كما لو وقع وهو مفلس ثم ايسر لم يلزمه شيء وقد قيل في هذه المسالة اقوال غير ما ذكرنا شاذة وليس عليها احد من فقهاء الامصار منها قول ربيعة بن ابي عبد الرحمن قال فمن اعتق حصته من عبد ان العتق باطل موسرا كان المعتق او معسرا وهذا خلاف الحديث وما اشك انه لم يبلغه ولا علمه وقد ذكر محمد بن سيرين عن بعضهم انه جعل قيمة حصة الشريك في بيت المال وهذا ايضا خلاف السنة وعن الشعبي وابراهيم انهما قالا الولاء للمعتق ضمن او لم يضمن وقال عثمان البتي لا شيء على المعتق الا ان تكون جارية رائعة تراد للوطئ فيضمن ما ادخل على صاحبه من الضرر وقد تقدم قول زفر وقول ابي حنيفة ايضا فهذا حكم من اعتق حصة له من عبد بينه وبين غيره واما من اعتق حصته من عبده الذي لا شركة فيه لاحد معه فان جمهور العلماء بالحجاز والعراق يقولون يعتق عليه كله ولا سعاية عليه وقال ابو حنيفة وربيعة وهو قول طاوس وحماد يعتق منه ذلك النصيب ويسعى لمولاه في بقية قيمته موسرا كان او معسرا وبه قال اهل الظاهر وخالفه اصحابه ابو يوسف ومحمد وزفر فاعتقوا العبد كله دون سعاية وهو قول مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وبن ابي ليلى وبن شبرمة والحسن بن صالح والليث بن سعد واحمد واسحاق كلهم قال يعتق عليه كله اذا كان العتق منه في الصحة قال ابو عمر الحجة قائمة على ربيعة وابي حنيفة بمعنى السنة لان الحديث لما ورد بان يعتق عليه نصيب شريكه كان احرى بان يعتق عليه ما هو في ملكه لانه موسر به مالك له وفي مثل هذا جاء الاثر ليس إليه بشريك حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني داود السختياني قال حدثني ابو الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير قالا اخبرنا همام عن قتادة عن ابي المليح - زاد ابو الوليد عن ابيه - ان رجلا اعتق شقصا له في غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏ليس إليه بشريك زاد بن كثير واجاز عتقه وحجة ابي حنيفة وربيعة ما رواه إسماعيل بن امية عن ابيه عن جده انه اعتق نصف عبده فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقه وهذا يحتمل ان يكون في وصيته بعد موته قال إسماعيل وانما يعتق العبد كله اذا اعتق الشريك نصفه وقد جاء عن الحسن مثل قول ربيعة وابي حنيفة وهو قول عبيد الله بن الحسن والشعبي كلهم يقول يعتق الرجل من عبده ما شاء وروي مثله عن علي - رضي الله عنه - وليس بالثابت عنه والله اعلم وقد روي عن الشعبي لو اعتق من عبده عضوا او اصبعا عتق عليه كله وكذلك قال قتادة وهو الصحيح في هذه المسالة ان شاء الله تعالى ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن خالد بن سلمة الفافا قال جاء رجل إلى بن عمر فقال له كان لي عبد فاعتقت ثلثه فقال بن عمر عتق كله ليس لله بشريك قال ابو عمر من ملك شقصا ممن يعتق عليه باي وجه ملكه سوى الميراث فانه يعتق عليه جميعه وان كان موسرا عند كل من ذكرنا عنه عتق نصيب الشريك اذا اعتق هو حصته على ما قدمنا منهم ذكره فان ملكه بميراث فقد اختلفوا في عتق نصيب شريكه عليه وفي السعاية على حسب ما قدمنا من اصولهم وفي تضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعتق لنصيبه من عبد بينه وبين غيره قيمة باقي العبد دون ان يلزمه الاتيان بنصف عبد مثله دليل على ان من استهلك شيئا من الحيوان او العروض التي لا تكال ولا توزن او افسد شيئا من ذلك فليس عليه الا قيمة ما استهلك دون المثل فيه وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما فذهب مالك واصحابه إلى ان من افسد شيئا من العروض التي لا تكال ولا توزن او شيئا من الحيوان فانما عليه القيمة لا المثل بدليل هذا الحديث قال القيمة اعدل في ذلك وهو قول الكوفيين وذهب الشافعي واصحابه وداود إلى ان القيمة لا يقضى بها في شيء من ذلك الا عند عدم المثل وحجتهم في ذلك ظاهر قول الله تعالى ‏(‏وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏)‏ ‏[‏النحل 126‏]‏‏.‏

ولم يقل بقيمة ما عوقبتم به وهذا عندهم على عمومه في الاشياء كلها واحتجوا ايضا بحديث حميد عن انس ‏(‏ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فارسلت احدى امهات المؤمنين جارية بقصعة فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة وسقط الطعام فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم احداهما إلى الاخرى وجعل يجمع فيها الطعام ويقول ‏(‏غارت امكم كلوا‏)‏ فاكلوا وحبس الرسول والقصعة حتى جاءت قصعة التي هو في بيتها ودفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته ومثل ذلك حديث فليت بن خليفة العامري ويقال له قليت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة قالت ما رايت صانعا طعاما مثل صفية بنت حيي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به فاخذني افكل وكسرت الاناء فقلت يا رسول الله ‏!‏ ما كفارة ما صنعت فقال ‏(‏اناء مثل اناء وطعام مثل طعام‏)‏ قال مالك والامر المجتمع عليه عندنا في العبد يعتق سيده منه شقصا ثلثه او ربعه او نصفه او سهما من الاسهم بعد موته انه لا يعتق منه الا ما اعتق سيده وسمى من ذلك الشقص وذلك ان عتاقة ذلك الشقص انما وجبت وكانت بعد وفاة الميت وان سيده كان مخيرا في ذلك ما عاش فلما وقع العتق للعبد على سيده الموصي لم يكن للموصي الا ما اخذ من ماله ولم يعتق ما بقي من العبد لان ماله قد صار لغيره فكيف يعتق ما بقي من العبد على قوم اخرين ليسوا هم ابتدؤوا العتاقة ولا اثبتوها ولا لهم الولاء ولا يثبت لهم وانما صنع ذلك الميت هو الذي اعتق واثبت له الولاء فلا يحمل ذلك في مال غيره الا ان يوصي بان يعتق ما بقي منه في ماله فان ذلك لازم لشركائه وورثته وليس لشركائه ان يابوا ذلك عليه وهو في ثلث مال الميت لانه ليس على ورثته في ذلك ضرر قال مالك ولو اعتق رجل ثلث عبده وهو مريض فبت عتقه عتق عليه كله في ثلثه وذلك انه ليس بمنزلة الرجل يعتق ثلث عبده بعد موته لان الذي يعتق ثلث عبده بعد موته لو عاش رجع فيه ولم ينفذ عتقه وان العبد الذي يبت سيده عتق ثلثه في مرضه يعتق عليه كله ان عاش وان مات اعتق عليه في ثلثه وذلك ان امر الميت جائز في ثلثه كما ان امر الصحيح جائز في ماله كله قال ابو عمر قد اتقن مالك ما ذكره في الموصي حصته في عبد بينه وبين غيره وفي الذي بتل عتق حصته في مرضه وعلى ما ذكره في الوصية جمهور العلماء وجماعة ائمة الفتوى وخالفه الكوفيون في العتق البتل في المرض على ما نذكره في الباب الثاني بعد هذا ان شاء الله عز وجل وقول الشافعي واحمد واسحاق في الوجهين جميعا مثل قول مالك قال مالك رحمه الله اذا اعتق شريكا له في مرضه الذي مات فيه عتق بتات ثم مات كان في ثلثه كالصحيح في كل ماله قال ولو اوصى بعتق النصيب من عبد بعينه لم يعتق منه الا ما اوصى به واختلف اصحاب مالك في الذي يوصي بعتق شقص له من اعبد ويوصي ان يقوم عليه نصيب صاحبه وقال بن سحنون لم يختلف اصحابنا في الموصي بعتق شقص له من عبد انه لا يقوم عليه نصيب شريكه فان اوصى ان يقوم عليه فقد اختلفوا فيه وكان سحنون وغيره يقول يستهم عليه لانه في ثلثه كالصحيح في جميع ماله قال وروى بن وهب عن مالك انه لا يقوم عليه الا ان يشاء الشريك تقديمه لان العتق له مباح وفي ‏(‏العتبية‏)‏ روى اشهب عن مالك ان ذلك للمعتق يقوم عليه وليس للشريك ان يابى ذلك واختلفوا ايضا في الذي يعتق حصته من عبد بينه وبين غيره ويموت من وقته وفي ‏(‏المدونة‏)‏ قال بن القاسم اذا مات المعتق او افلس لم يقوم في ماله ولم يذكر فرقا بين تطاول وقت موته او قرب ذلك قال وكذلك قال مالك وذكر بن حبيب ان مطرفا روى عن مالك انه ان مات بحدثان ذلك فانه يقوم عليه وان كان قد تباعد فلا يقوم عليه وذكر بن سحنون ذلك فقال اذا مات بحدثان ذلك قوم عليه لان للشريك حقا لا يتطلب المعرفة وفي العتبية روى اشهب عن مالك انه يقوم على الميت في راس ماله لا في ثلثه والله اعلم‏.‏

باب الشرط في العتق

1473- قال مالك من اعتق عبدا له فبت عتقه حتى تجوز شهادته وتتم حرمته ويثبت ميراثه فليس لسيده ان يشترط عليه مثل ما يشترط على عبده من مال او خدمة ولا يحمل عليه شيئا من الرق لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏من اعتق شركا له‏)‏ في عبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد‏)‏ قال مالك فهو اذا كان له العبد خالصا احق باستكمال عتاقته ولا يخلطها بشيء من الرق قال ابو عمر اما قوله في اول الباب انه ليس لمن اعتق عبده وبت عتقه ان يشترط عليه شيئا مما يشترطه السيد على عبده - يعني من مال او خدمة فانه يقضي على قوله فيمن قال لعبده انت حر وعليك الذي عنده وانت حر على ان تؤدي الي كذا وكذا وقد تقدمت هذه المسأله وما فيها لابن القاسم من الخلاف وتقدم القول فيها فلا وجه لاعادته واما قوله فهو اذا كان العبد له خالصا - احق باستكمال عتاقته فقد تقدم القول في الباب قبل هذا ان ربيعة وابا حنيفة وعبيد الله بن الحسن العنبري - قاضي البصرة - كانوا يقولون في الرجل يعتق بعض عبده الا انه لا يعتق منه الا ما عتق وان العبد يسعى لسيده في قيمته ما لم يعتق منه وان ذلك قد روي عن علي رضي الله عنه وبه قال الحسن والشعبي وذكرنا الحديث الذي نزع به من قال ذلك وان اهل الظاهر قالوا به ايضا ومنهم من لم ير على العبد سعاية وذكرنا ان مالكا والشافعي وابا يوسف ومحمدا والثوري ومن سميناه معهم قالوا يعتق عليه كله وما احتج به مالك صحيح فانه اذا كان له العبد كله كان احق باستكمال العتق عليه من الذي اعتق حصة له منه بينه وبين غيره وقد ذكرنا ذلك كله في ‏(‏التمهيد‏)‏ والحمد لله كثيرا‏.‏

باب من اعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم

1474- مالك عن يحيى بن سعيد وعن غير واحد عن الحسن بن ابي الحسن البصري وعن محمد بن سيرين ان رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتق عبيدا له ستة عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد قال مالك وبلغني انه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم‏.‏

1475- مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن ان رجلا في امارة ابان بن عثمان اعتق رقيقا له كلهم جميعا ولم يكن له مال غيرهم فأمر ابان بن عثمان بتلك الرقيق فقسمت اثلاثا ثم اسهم على ايهم يخرج سهم الميت فيعتقون فوقع السهم على احد الاثلاث فعتق الثلث الذي وقع عليه السهم قال ابو عمر ذكر مالك في هذا الباب سنة وعملا بالمدينة فالسنة في ذلك رواها عمران بن حصين وابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عمران اشهر واكثر طرقا وهي سنة انفرد بها اهل البصرة واحتاج فيها اليهم اهل المدينة وغيرهم رواها عن عمران بن حصين الحسن وبن سيرين وابو المهلب الجرمي ورواها عن الحسن عن عمران بن حصين جماعة منهم قتادة وحميد الطويل وسماك بن حرب ويونس بن عبيد ومبارك بن فضالة وخالد الحذاء ورواها عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ايوب السختياني وهشام بن حسان ويحيى بن عتيق ويزيد بن ابراهيم التستري وغيرهم وروى هذا الحديث يزيد التستري عن الحسن وبن سيرين جميعا عن عمران بن حصين ورواه ايوب وغيرة عن ابي قلابة عن ابي المهلب عن عمران بن حصين واما حديث ابي هريرة فرواه محمد بن زياد عن ابي هريرة وروى إسماعيل بن امية وقيس بن سعد وسليمان بن موسى كلهم سمعوا مكحولا يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول اعتقت امراة وفي رواية قيس بن سعد اعتقت امراته او رجل ستة اعبد لها عند الموت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة وقد ذكرنا طرق هذا الحديث بالاسانيد في ‏(‏التمهيد‏)‏ ونذكر هنا منها طرفا اخبرنا احمد بن محمد قال حدثني احمد بن الفضل قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني ابو كريب قال حدثني وكيع عن يزيد بن ابراهيم عن الحسن وبن سيرين عن عمران بن حصين ‏(‏ان رجلا اعتق ستة اعبد له في مرضه فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة‏)‏ ليس في هذا الحديث ولا في حديث مالك ليس له مال غيرهم وقد ذكر ذلك غير واحد من الثقات في هذا الحديث حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسن البغدادي قال حدثني عبد الله بن صالح البخاري قال حدثنا عبد الاعلى بن حماد النرسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن ايوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين وعن قتادة وحميد وسماك عن الحسن عن عمران بن حصين ‏(‏ان رجلا اعتق ستة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وترك اربعة في الرق‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني حماد بن بكر‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال ابو داود قال حدثني مسدد قال حدثني حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق وايوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ‏(‏ان رجلا اعتق ستة اعبد له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقرع بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة‏)‏ قال ابو عمر اختلف العلماء في الرجل يعتق في مرضه عند موته عبيدا له ولا مال له غيرهم فقال مالك والشافعي واصحابهما بهذا الاثر الصحيح وذهبوا إليه وبه قال احمد واسحاق وداود والطبري وجماعة من اهل الراي والحديث ذكر بن عبد الحكم عن مالك قال من اعتق عبيدا له عند موته ليس له مال غيرهم قسموا اثلاثا ثم يسهم بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم ويرق ما بقي وان كان بينهم فضل رد السهم عليهم فأعتق الفضل وسواء ترك مالا غيرهم او لم يترك قال ومن اعتق رقيقا له عند الموت وعليه دين يحيط بنصفهم فان استطاع ان يعتق من كل واحد نصفه فعل ذلك بهم قال ومن قال ثلث رقيقي حر اسهم بينهم وان اعتق كلهم اسهم بينهم اذا لم يكن له مال غيرهم وان قال ثلث كل راس حر ونصفه لم يسهم بينهم وقال بن القاسم كل من اوصى بعتق عبيده او بتل عتقهم في مرضه ولم يدع غيرهم فانه يعتق بالسهم ثلثهم وكذلك لو ترك مالا والثلث لا يسعهم لاعتق مبلغ الثلث منهم بالسهم وكذلك لو اعتق منهم جزءا سماه او عددا سماه وكذلك لو قال راس منهم حر فالسهم يعتق منهم من يعتق ان كانوا خمسة فخمسهم وان كانوا ستة فسدسهم خرج لذلك اقل من واحد او اكثر وقال لو قال عشرهم وهم ستون عتق سدسهم اخرج السهم اكثر من عشرة او اقل وهذا كله مذهب مالك ولم يختلف مالك واصحابه في الذي يوصي بعتق عبيده في مرضه ولا مال له غيرهم انه يقرع بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم وكذلك لم يختلف الاكثر منهم ان هذا حكم الذي اعتق عبيده في مرضه عتقا بتلا ولا مال له غيرهم وقال اشهب واصبغ انما القرعة في الوصية واما البتل فهم كالمدبرين قال ابو عمر حكم المدبرين عندهم اذا دبرهم سيدهم في كلمة واحدة انه لا يبدي بعضهم على بعض ولا يقرع بينهم ويقضي الثلث على جميعهم بالقيمة فيعتق من كل واحد منهم حصته من الثلث وان لم يدع مالا غيرهم عتق ثلث كل واحد وان دبر في مرضه واحدا بعد واحد بدىء بالاول فالاول كما دبرهم في الصحة او في مرضه ثم صح قال ابو عمر قول اشهب واصبغ خلاف السنة المذكورة في صدر هذا الباب وخلاف اهل الحجاز واهل العراق ولم يرد السنة الا فيمن اعتق في مرضه ستة اعبد له عتقا بتلا ولا مال له غيرهم لا فيمن اوصى بعتقهم فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم الوصايا فأرق ثلثيهم واعتق ثلثهم فكيف يجوز لاحد ان يقول بالحديث في الوصية دون العتق البتل فيخالفهم نصه ويقول بمعناه وذكر بن حبيب عن بن القاسم وبن كنانة وبن الماجشون ومطرف قالوا اذا عتق الرجل في مرضه عبيدا له عتقا بتلا او اوصى لهم بالعتاقة كلهم او بعضهم سماهم او لم يسمهم الا ان الثلث لا يحملهم ان السهم يجزئ فيهم كان له مال سواهم او لم يكن قال بن حبيب وقال بن نافع ان كان له مال سواهم لم يسهم بينهم واعتق من كل واحد ما ينوبه وان لم يكن له مال سواهم او كان له مال تافه فانه يقرع بينهم‏.‏

وقال الشافعي واذا اعتق الرجل في مرضه عبيدا له عتق بتات انتظر بهم فان صح عتقوا من راس ماله وان مات ولا مال له غيرهم اقرع بينهم واعتق ثلثهم قال الشافعي والحجة في ان العتق البتات في المرض وصية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرع بين ستة مملوكين اعتقهم الرجل في مرضه وانزل عتقهم وصية فأعتق ثلثهم قال الشافعي ولو اعتق في مرضه عبدا له عتق بتات وله مدبرون وعبيد اوصى بعتقهم بعد موته بدىء بالذين بت عتقهم في مرضه لانهم يعتقون عليه ان صح وليس له الرجوع فيهم بحال‏.‏

وقال الشافعي والقرعة ان تكتب رقاع ثم يكتب اسماء العبيد ثم يبندق بنادق من طين ثم يجعل في كل بندقة رقعة ويجري الرقيق اثلاثا ثم يؤمر رجل منهم لم يحضر الرقاع فيخرج رقعة على كل جزء وان لم يستووا في القيمة عدلوا وضم قليل الثمن إلى كثير الثمن وجعلوه ثلاثة اجزاء قلوا او كثروا الا ان يكونوا عبدين فان وقع العتق على جزء فيه عدة رقيق اقل من الثلث اعيدت الرقعة بين السهمين الباقيين فأيهم وقع عليه اعتق منه باقي الثلث قال احمد بن حنبل في هذا كله كقول الشافعي سواء وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال اخبرني سليمان بن موسى قال سمعت مكحولا يقول اعتقت امراة من الانصار عبيدا لها ستة لم يكن لها مال غيرهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم غضب وقال في ذلك قولا شديدا ثم دعا بستة قداح فأقرع بينهم فأعتق اثنين قال سليمان بن موسى كنت اراجع مكحولا فأقول ان كان عبد ثمن الف دينار اصابته القرعة ذهب المال فقال قف عند امر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن جريج قلت لسليمان الامر يستقيم على ما قال مكحول قال كيف قلت يقيمون قيمة فان زاد اللذان اعتقا على الثلث اخذ منهما الثلث وان نقصا عتق ما بقي ايضا بالقرعة فان فضل عليه اخذ منهم قال ثم بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقامهم قال ابو عمر قد روي في حديث بن سيرين عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم جزاهم ثلاثة اجزاء وهذا يدل على انه اقامهم وعدلهم بالقيمة ولا يمكن غير ذلك في اخراج الثلث قال حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني عبد الله بن ابي داود قال حدثني علي بن نصر قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ان رجلا كان له ستة اعبد ولم يكن له مال غيرهم فأعتقهم عند موته فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجزاهم ثلاثة اجزاء فأعتق اثنين وارق اربعة وهذا كله قول مالك والشافعي واحمد بن حنبل ومن ذكرنا معهم وقال ابو حنيفة فيمن اعتق عبيدا له في مرضه ولا مال له غيرهم عتق من كل واحد منهم ثلثه وسعوا في الباقي وهو قول الحسن بن حي وقال ابو حنيفة حكم كل واحد منهم ما دام يسعى حكم المكاتب وقال ابو يوسف ومحمد هم احرار وثلثا قيمتهم دين عليهم يسعون في ذلك حتى يؤدوه إلى الورثة قال ابو عمر رد الكوفيون السنة المأثورة في هذا الباب اما بأن لم يبلغهم او بأن لم تصح عنهم ومن اصل ابي حنيفة واصحابه عرض اخبار الاحاد على الاصول المجتمع عليها او المشهورة المنتشرة والحجة قائمة على من ذهب مذهبهم بالحديث الصحيح الجامع في هذا الباب وليس الجهل بالسنة ولا الجهل بصحتها علة يصح لعاقل الاحتجاج بها وقد انكرها قبلهم شيخهم حماد بن ابي سليمان وروى مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن محمد بن ذكوان انه سمع حماد بن ابي سليمان وذكر الحديث الذي جاء في القرعة بين الاعبد الستة الذين اعتقهم سيدهم في مرضه الذي مات فيه قال هذا قول الشيخ يعني ابليس فقال محمد بن ذكوان له وضع القلم عن المجنون حتى يفيق فقال له حماد ما دعاك إلى هذا فقال له محمد بن ذكوان وانت ما دعاك إلى هذا قال وكان حماد ربما صرع في بعض الاوقات قال ابو عمر بنى الكوفيون مذهبهم على ان العبيد المعتقين في كلمة واحدة في مرض الموت قد استحق كل واحد منهم العتق لو كان لسيدهم مال يخرجون من ثلثه فان لم يكن له مال لم يكن واحد منهم احق بالعتق من غيره وكذلك عتق من كل واحد ثلثه وسعى في ثلثي قيمته للورثة لقولهم بالسعاية في حديث ابي هريرة في معسر اعتق حصته من عبد بينه وبين اخر على ما قدمنا ذكره في ما مضى من هذا الكتاب وهذا عندنا لا يجوز ان ترد سنة بمعنى ما في اخرى اذا امكن استعمال كل واحد منهما بوجه ما وبالله التوفيق والصواب لا شريك له وفي حديث هذا الباب من الفقه ايضا دليل على ان الوصية جائزة لغير الوالدين والاقربين لان عتقهم في العبيد لمرضهم وصية لهم ومعلوم انهم لم يكونوا بوالدين لمالكهم المعتق لهم ولا بأقربين له وقد قال بأن الوصية لا تجوز الا للاقربين غير الوارثين ولا تجوز لغيرهم ولا عند عدمهم طائفة من التابعين وسيأتي ذكر ذلك - ان شاء الله تعالى في كتاب الوصايا وفيه دليل على ان افعال المريض كلها من عتق وهبة وعطية كالوصية لا يجوز فيها اكثر من الثلث وقد خالف في ذلك قوم زعموا ان افعال المريض في راس ماله كأفعال الصحيح ولم يجعلوا ذلك كالوصايا ويأتي ذكر ذلك كله في الوصايا - ان شاء الله تعالى وفيه ايضا ابطال السعاية مع دليل حديث بن عمر في ذلك والله الموفق‏.‏

باب القضاء في مال العبد اذا عتق

1476- مالك عن بن شهاب انه سمعه يقول مضت السنة ان العبد اذا عتق تبعه ماله قال ابو عمر قالوا انه لم يكن احد اعلم بسنة ماضية من بن شهاب الزهري وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة فقال اكثر اهل المدينة اذا اعتق العبد فماله له دون السيد وهو قول مالك واصحابه والليث بن سعد والاوزاعي وبه قال الشافعي بالعراق في ‏(‏القديم‏)‏ الذي يرويه الزعفراني عنه وحجة من ذهب هذا المذهب حديث عبيد الله بن ابي جعفر عن بكير بن الاشج عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏من اعتق عبدا له فماله له الا ان يشترطه السيد‏)‏ رواه الليث بن سعد وغيره عن عبيد الله بن عمر هكذا باسناده هذا ولم يروه احد من اصحاب نافع كذلك وانما الذي عند اصحاب مالك نافع وعبيد الله وايوب وغيرهم عن نافع عن بن عمر عن عمر بن الخطاب انه قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا ان يشترطه المبتاع هكذا يرويه نافع عن بن عمر عن عمر ويرويه سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية بن شهاب وغيره عن سالم وقد روي عن بن عمر في العبد يعتق أنه يتبعه ماله وكان يأذن لعبيده في التسري وقد روي عن عائشة قالت ‏(‏العبد اذا اعتق تبعه ماله‏)‏ وبه قال الحسن البصري وطاوس ومجاهد وعطاء والزهري والشعبي والنخعي واما خبر عبيد الله بن ابي جعفر فحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن صالح قال حدثني بن وهب قال حدثنا بن لهيعة والليث بن سعد عن عبيد الله بن ابي جعفر عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من اعتق مملوكا وله مال فمال العبد للسيد الا ان يشترطه السيد‏)‏ وكل من قال انما مال العبد تبع له اذا عتق يقول ‏(‏الا ان يشترطه السيد‏)‏ وقال اخرون ‏(‏اذا عتق العبد فماله لسيده مولاه‏)‏ وممن قال ذلك الثوري وبن شبرمة وابو حنيفة واصحابه والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن وهو قول الشافعي بمصر في الكتاب الجديد وهو تحصيل مذهبه وروي ذلك عن مسعود وانس بن مالك وبه قال بن طاوس والحكم بن عيينة واليه ذهب احمد واسحاق وقد كان احمد يجبر عن القول به لحديث عبيد الله بن ابي جعفر المذكور وقد روي خبر بن مسعود عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح انه لم يرفعه الا عبد الاعلى بن ابي المساور وهو ضعيف جدا قال ابو عمر سيأتي القول في ملك العبد في كتاب البيوع - ان شاء الله - عند قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من باع عبدا وله مال فماله للبائع‏)‏ قال مالك ومما يبين ذلك ان العبد اذا عتق تبعه ماله ان المكاتب اذا كوتب تبعه ماله وان لم يشترطه وذلك ان عقد الكتابة هو عقد الولاء اذا تم ذلك وليس مال العبد والمكاتب بمنزلة ما كان لهما من ولد انما اولادهما بمنزلة رقابهما ليسوا بمنزلة اموالهما لان السنة التي لا اختلاف فيها ان العبد اذا عتق تبعه ماله ولم يتبعه ولده وان المكاتب اذا كوتب تبعه ماله ولم يتبعه ولده قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان العبد والمكاتب اذا افلسا اخذت اموالهما وامهات اولادهما ولم تؤخذ اولادهما لانهم ليسوا بأموال لهما قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان العبد اذا بيع واشترط الذي ابتاعه ماله لم يدخل ولده في ماله قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان العبد اذا جرح اخذ هو وماله ولم يؤخذ ولده قال ابو عمر الخلاف في مال المكاتب عند عقد كتابته كالخلاف في العبد عند عتقه وابو حنيفة والشافعي واصحابهما يقولون مال المكاتب لسيده الا ما اكتسبه في كتابته وولده من سريته وقد مضى ذلك كله في كتاب المكاتب من هذا الكتاب وقولهم في ماله انه لا يؤخذ في جنايته الا برضا سيده وعلى سيده ان يسلم رقبته بالجناية او يفتكه بأرشها وبالله التوفيق‏.‏